إنجيل يوحنا اصحاح ٢١- الخاتِمة

بقلم: 
إركّي كوسكِنيمي، دكتور في اللاهوت
ترجمة وتدقيق: 
أ. د. حسيب شحادة

في الأصل نهايةُ إنجيل يوحنّا هي آخر الأصحاح العشرين، في العددين (الآيتين) الأخيرين ٣٠-٣١. الأصحاح الواحد والعشرون قيدَ البحث الآن، هو بوضوحٍ خاتمةٌ أُضيفت في وقت لاحق قليلا. وقد أراد الكاتب أن يُضيف إلى الإنجيل بعضَ القصص المستمدّة من التقليد ذاته.

في جميع القصص المعروضة أمامَنا الآن، يلعب تلميذ يسوعَ الحبيبُ دورًا رئيسيّا. في هذه المرّة يوصلُنا فقط مضمونُ النصّ إلى فكرة أنّنا نتعامل مع إضافة لاحقة. الأصحاح الواحد والعشرون وارد في جميع المخطوطات. أهمية هذه الحقيقة واضحة للأخصائيين في تراث المخطوطات: أُضيفت الكتابة بشكل نهائي قبل نسخ إنجيل يوحنّا للجمهور العامّ. لذلك فهي قديمة جدًّا، وفي هذا الصدد، هي جزء من الإنجيل.

الرسُل كصيّادي سَمَك ٢١: ١-١٤

من الصعوبة بمكان موضعة القصّة التي نتناولها الآن في رواية إنجيل يوحنّا، لأنّ الأصحاح الأخيرَ قد أُضيف إلى هذا الإنجيل في وقت لاحق فقط. قد يكون أفضلُ إطارٍ لهذه القصّة هو الوقت الذي كان فيه كلّ شيء لا يزال غيرَ واضح المعالم والتلاميذ لم يكونوا على يقين تامّ بخصوص قيامة يسوع. وفي تلك الحالة، فإن حقيقةَ خروجِ التلاميذ لصيد السمك تعني أنّهم أنكروا التفويض الذي قد تلقّوه ذات مرّة.

يسوع راقد في القبر، ولم يعُد باستطاعة تلاميذه السير معه. والنتيجة المنطقية لهذا المنحى من التفكير، كانت الحصول على مهنة جديدة بدلًا من مكتب الرسول. وبطبيعة الحال، كان صيد السمك خيارَهم الأوّل، فهذا ما امتهنوه من قبلُ. تتضمّن قصّة يوحنّا إشاراتٍ كثيرةً إلى القصّة الواردة في إنجيل لوقا، قبل آلام يسوعَ المسيحِ (لوقا ٥: ١-١١). إنّ القصّة برُمّتها، بالإضافة لتلك اللحظات الساحرة على الشاطئ، تعني العودة إلى التلمذة.

إنّ الرقمَ ١٥٣، على ما يبدو، رمزيٌّ إلى حدٍّ ما، وقد يُشير بطريقة ما إلى الحقيقة أنّ عملَ المسيح سيمسّ جميعَ الأمم. ومع ذلك، فإنّ جميعَ التفسيرات المقترَحة غيرُ مقنعة جدّا. التلاميذ، الذين كانوا متردّدين منذ قليل، أصبحوا صيّادي ناس بعد هذه الفُرصة.

يسوعُ وبطرس ُ٢١: ١٥-١٩

قصّة لقاء يسوع ببطرس (سمعان بطرس بن يوحنّا) الجاحد، الناكر جذابةٌ للغاية ورائعة من منظور علم النفس. على الرغم من تواجُد أشخاص آخرين، إلا أنّ لجميعهم الآن أدوارًا بسيطة. الصديقان يُمعنان النظر، الواحد في عيني الآخر. هنا يجري التعامل مع إنكار بطرس وكذلك بقية حياته. أنكر بطرسُ يسوعَ المسيح ثلاثَ مرّات، ويسوع يسأله ثلاث مرّات، ”هل تُحبّني؟“ بعد طرح السؤال للمرّة الثالثة، ينهار بطرس. علاقته مع الربّ قدِ ٱستُرجعت، استُردّت.

وتتمخّض الأسئلة الثلاثةُ عن تفويض مثلّث لبطرسَ ليكونَ راعيا. ونحن نضع نُصْبَ عينينا كلماتِ يسوع عن الراعي الصالح (الأصحاح العاشر في إنجيل يوحنّا)، وما ورد في كتابات العهد القديم، ولا سيّما في سِفر حزقيال ٣٤. الرعاة السيّئون يهتمّون بأنفسهم فقط ويتركون، يسيبون القطيعَ بدون رعاية أو مُراقبة. عندما يبدأ الربّ برعاية خاصّته، يتغيّر الوضع. الرب القائم منَ الموت يرعى قطيعه بواسطة الناس. ومسؤولية هامّة بشكل خاصّ ملقاةٌ على كاهل بطرس، زعيم التلاميذ في كلّ الأناجيل الأربعة. كهنوت الراعي، وبخاصّة مع المسؤولية الخاصّة التي أُنيطت ببطرس، كان من المستحيل القيام به بدون محبّة يسوع. هكذا يكلّف يسوعُ بطرسَ مرّة أخرى، بعد إنكاره له ثلاثَ مرّات.

ويتضمّن هذا التكليف سرًّا، يُمكن سبْرُ كنهِه في وقت متأخّر جدًّا فقط. ماذا تعني الكلمات حولَ الملابس (أو الربط / التطويق) والمشي؟ قِطعة الملابس العادية كانت بمثابة كِساء خارجي فضفاض. وعند البدء في المشي، يربُِطها المرتدي بحِزامٍ لئلّا تعيق الحركة. يستطيع الشابّ ربطَ الحِزام بنفسه بلمْح البصر، في حين أنّ الرجل العجوزَ ينبغي أن يمُدّ يديه ويدعَ شخصًا آخرَ يوثّق حِزامه. هذه الإيماءة، مدّ الذراعين، هي مِفتاح الغموض. نحن نعلَم أن بطرسَ قدِ ٱستشهد، ومن المرجّح جدًّا أنّه صُلب في روما في الستينات من القرن الأوّل. وكان عليه أن يمُدَّ ذراعيه عندما سُمِّر على العارضة المتقاطعة بشكل صليب، ثمّ سار أمامَ منفّذ الإعدام إلى مكان الإعدام. ماذا كان الخيار الأحسن، أن يكون آمنًا من دون المسيح، أم أن يكون مع المسيح ويعاني عذابًا رهيبا؟ بطرس عرف الجواب: ”فيه كانت الحياة، وحياته كانت نورَ الناس“ (يوحنّا ١: ٤).

التِّلميذُ الحبيبُ ٢١: ٢٠-٢٥

وراءَ الصديقين يمشي ”التلميذ الحبيب“. بطرس يُخطئ في طرحه السؤالَ عن مصير ذلك التلميذ ولكنّه يتلقّى إجابةً حاسمة، ”أنت ٱتبعْني!“. فيما يتعلّق بهذه المسألة، فإنّ بطرس دخيلٌ مثله مثل الآخرين الذين كانوا قبل لحظة. إنّ خُطط يسوعَ المسيحِ بشأن شخصٍ آخرَ لا تهُمّ أيّ شخص آخرَ. وقد أُشير بشكل غير علني إلى استشهاد وشيك لبطرس فقط. مصير ”التلميذ الحبيب“ يظلُّ سرًّا دفينًا بالنسبة لبطرس.

إنّ إنجيل يوحنّا يُعطي الانطباع بأنّ عمل يسوعَ المسيح علانيةً قد استمرّ عدّة سنوات، وخلالها كان يُعلّم بشكل متواصل، وأثّر تأثيرًا شديدًا على آلاف الناس، وقام بالكثير من المعجزات العظيمة. وبغية وصف حتّى يوم واحد فقط من أيّامه كان سيتطلّب من ورق البردي أكثرَ ممّا في إنجيل يوحنّا الحالي.

كلماتُ إنجيل يوحنّا الأخيرةُ تُظهر بجلاء طريقةَ تعامله مع مادّته: الكتاب لا يتّسع لكلّ شيء، وليس هناك حاجة لقول كلّ شيء. يوحنّا اقتصر على ذكر بعض الأشياء في عمله، بعض المعجزات والتعاليم، لكنّه قد ناقشها بشكل معمّق ومفصّل.

وهكذا فإن الإنجيل الرابعَ، الذي يردّد صدى معرفة التقليد لدى التلميذ الحبيب، يتحدّث بوضوح بشكل خاصّ عن أهمّ شيء: يسوعُ المسيحُ هو ٱبنُ الله، نورُ العُميان، وحياة الموتى. ”من فيض نِعَمه نلنا جميعًا نعمةً، نعمة على نعمة“. (يوحنّا ١: ١٦).