إنجيل يوحنا اصحاح ٧ - الماء الحيّ

بقلم: 
إركّي كوسكِنيمي، دكتور في اللاهوت
ترجمة وتدقيق: 
أ. د. حسيب شحادة

هل يسوعُ ذاهبٌ إلى العيد أم لا؟ ٧: ١-١٣

وَفْقًا ليوسيفوس فلاڤيوس (يوسف بن مَتِتْياهو، مؤرّخ يهودي، ٣٧-٣٨م.)، كان عيد المظالّ أعظمَ الأعياد اليهودية وأقدسَها. تمّ الاحتفال به حَسَبَ ناموس النبيّ موسى في اليوم الخامس عشر من الشهر السابع، في أيلول أو تشرين ثان. كان ذلك، عندما ارتوتِ الأرض من المطر وأثمرت. استغرق العيد ثمانية أيّام وكان بهيجًا جدًّا في أحضان الطبيعة.

تمّ شرحُ فقرة الاحتفال في سفر التثنية ٢٣: ٣٤-٤٤. خلال تلك الفترة، عاش الناس في ملاجئَ مصنوعة من الأغصان ذكرى لمبيت بني إسرائيل في ملاجئَ مؤقّتة عندما خرجوا من مصر متوجّهين إلى أرض الميعاد.

الأصحاحات ٩-١٤ في سِفر زكريّا تجمع بين عيد المظالّ وعيد الربّ (١٤: ١٦-٢١). وينقُل زكريّا الوعد بأنّ ”الماء الحيّ“ في يوم الربّ سوف يتدفّق في أورشليم (١٤: ١٨)، وأنّه في يوم عمل الربّ سيكون لشعب داؤود ولسكّان أورشليمَ ”ينبوع مفتوح ضد الخطيئة والنجاسة“ (١٣: ١). وهكذا، كان عيد المظالّ احتفالًا لتقديم الشكر ووقتًا لانتظار”عاقبة الأيّام“. وهنالك في نُبوءة سِفر زكريّا، إشارةٌ بخصوص الملك الذي يأتي راكبًا على حمار (٩: ٩).

إخوة يسوع لم يؤمنوا به، ولكنّهم نصحوه قائلين إنّ عيدَ المظالّ سيكون أفضلَ زمان ومكانٍ لنشر حركته. يسوع لا يأبَه بـ”مشورتهم التجارية العظيمة“. إنّه يتطلّع قُدُمًا إلى زمن الله ويرفُض العمل قبل ذلك. قد يكون في كلماته تورية (تلاعب في الكلمات) نموذجية في إنجيل يوحنّا - يسوع لا ”يصعَد إلى العيد“ ولا ”يصعد إلى مجد السماء“. إنّه بدأ يتحرّك، ولكن ليس بشكل بارز، باعتباره مركزًا للحجّ، ولكن سرًّا وبهدوء.

من يُخالفُ/ينتهِكُ ناموسَ النبيِّ موسى؟ ٧: ١٤-٢٤

عند حُلول العيد، يأتي يسوع وبيده السُّلطة القصوى. أدرك المستمعون أنّه لا ينتمي إلى أيّة طائفة معروفة أو مدرسة فكرية. إنّه علّم تعليمه الخاصَّ به. حثّ يسوع المتشكّكين باتّباع إرادة الله ليعرفوا في ما إذا كان تعليمُه قد جاء حقًّا من الله وحده. إنّ الموضوع المذكورَ في الأصحاح الخامس يثيره يسوع نفسه مجدّدًا: لا يمكن أن يكون يسوعُ مرسَلًا من قِبَل الله لأنه ينقُض القانون (الناموس، الشريعة) من خلال علاجه في يوم السبت.

يسوع يناشد اليهودَ بممارسته الخاصّة. وَفقًا للناموس، على خِتان الصبي أن يتِمّ في اليوم الثامن من ولادته (سفر اللاويين ١٢: ٣)، وإذا صادف هذا اليوم يومَ السبت، كان هناك أمران متعارضان. لأيّ واحد أعطيتِ الأولوية؟ قرّر اليهود أنّه في هذه الحالة لا يُشكّل الخِتان انتهاكًا لشريعة السبت. ”عظيم هو الختان الذي يُلغي شريعةَ السبت الصارمة“، قد قيل. وإذا سُمح للمرء بالخِتان، فلماذا لا يُسمح بعلاج الجسم كلّه وشِفائه؟ وهكذا، يُظهِر يسوعُ جوهرَ وصيّة السبت تمامًا مثل البشيرين الثلاثة الأوائل: لم يُخلَقِ الإنسانُ من أجل السبت، بل صُنع السبتُ من أجل الإنسان.

من هو يسوعُ المسيحُ؟ ٧: ٢٥-٣٦

كان في زمن يسوعَ المسيحِ الكثير من المعتقدات والتخمينات والتأمّلات الشائعة حولَ المسيح الآتي. واحدٌ من تلك الاعتقادات الواردُ ذكرُه في الأدب اليهودي خارجَ العهد القديم، يقول إنّ المسيح سيبقى مستترًا حتى تأتي ساعتُه. وهذا لم يتماشَ مع الحقيقة بأنّ أصلَ يسوع كان معروفًا - إنّه وُلد في الناصرة.

في أسلوبه النموذجي الغامض، يدعُ يوحنّا الناسَ يتحدّثون هكذا، ولكن في المعنى الأعمق، لم يعرفِ اليهود لا من هو يسوعُ ولا من حيث جاء. في الواقع، عرفوا حقًّا شيئًا ما، ولكنّهم جهِلوا البقية بالكامل. كانوا يعرفون مثلًا أنّ يسوعَ كان إنسانًا وأنّه وُلد في الناصرة. ما لم يعرفوه كان أصله السماوي، لأنّهم ما عرفوا الآب.

إن كلماتِ يسوعَ ستُثير الرغبة في قتله ثانيةً. وهذا يقود يسوعَ للتنبّؤ بموته والعودة إلى الآب. كما هي الحال في كثير من الأحيان في إنجيل يوحنّا، الناس لا يعرفون بالمرّة عمّا يتكلّم يسوع. بالكاد يكون كلامهم كُفرًا أو سخرية، إنّه بالأحرى عمىً مُطبِق بالنسبة لحقيقة الله .

ماءٌ حيٌّ للعطشان! ٧: ٣٧-٥٢

بلغ عيد المظالّ (عيدُ العُرْش) ذُرْوته في اليوم الأخير. لا ريبَ في أنّ تلك كانت اللحظةَ التي تأمّل فيها الناس مليًّا حولَ موضوع عاقبة الأيّام. نتذكّر كلماتِ زكريّا عن جداول المياه الحيّة (زكريّا ١٤: ٨). خلال مراسم المياه، كان الناس يُغنّون ”وتستقون المياه من ينابيع الخلاص مبتهجين“ (إشعياء ١٢: ٣). وكان هذا الأساسَ وراء حديث يسوعَ في العلن. ”إن عطِش أحدٌ، فليجىءْ إليّ ليشربَ. ومَن آمن بي، كما قال الكتاب، تفيض من صدره أنهارُ ماء حيّ“ (يوحنّا ٧: ٣٧- ٣٨).

يقول يسوع إنّه مصدرُ الماء الحيّ. هناك تفسير آخرُ منافس لهذه الآيات وهو: ينابيع المياه الحيّة لا تتدفّق من داخل المؤمن، بل من يسوعَ المسيح. والآن يُوضِح يوحنّا أنّ معنى الماء الحيّ هو الروح القُدس.

البشير يوحنّا يكتب بمهارة رائعة عنِ اليهود المتحاوِرين حولَ يسوع، أهو ”النبيّ“ (سفر التثنية ١٨: ١٨)؟ أم المسيح؟ أم دجّال محتال؟
بخلاف البشيريْن متّى ولوقا، لا يذكُر يوحنّا أنّ يسوعَ قد وُلد في بيتَ لحم. لهذا السبب، غالبًا ما يقال إنّ يوحنّا لم يكن على عِلم بالتقاليد على الإطلاق. ولكنّه الآن يكتب أنّ خصومَ يسوعَ يرفُضونه على أساس ”الحقيقة“ القائلة إنّ يسوع لم يولد في بيتَ لحم. وهذا يُظهِر أن يوحنّا يفترض أن قرّائه يعرفون أن اليهود يُخطئون هنا.

سِجالٌ مشوّق وهامّ يجري في نهاية الأصحاح. ويعبِّر نيقوديموس عن نقده بشكل سؤال. والأهمّ من ذلك هو الجواب الذي قدّمه له الآخرون: لم يُتنبّأ بعدُ بأنّ نبيًّا سيظهر من الجليل المزدرَى ــ هكذا يسوع هو مسيح كاذب. على ما يبدو، هذا يشير إلى نبيّ عظيم حُكِي عنه في سفر التنثية ١٨: ١٨. يعود يسوع إلى هذه الجملة في أوّل تعليم له في الأصحاح ٨ العدد ١٢. الكتاب المقدّس لا يُخبر شيئًا عن النبيّ الطالع من الجليل، ولكنّ الجليلَ والنورَ مرتبطان الواحد بالآخر بشدّة (إشعياء ٨: ٢٣ ــ ٩: ٦).