إنجيل يوحنا اصحاح ٥ - الآب والابن واحد

بقلم: 
إركّي كوسكِنيمي، دكتور في اللاهوت
ترجمة وتدقيق: 
أ. د. حسيب شحادة

يسوعُ يَشفي في السبت أيضا ٥: ١-١٨

بِركة بيت حِسْدا (الاسم الأصلي قد يكون بيت زاثا) كانت تعُجّ بالناس المصابين بشتّى أنواع الأمراض والعاهات والإعاقات. وفي زمن يسوع، فئات الناس هذه كانت تواجه باستمرار تزايدَ البؤْس والشقاء، إذا لم تتمكّن أُسرهم من العناية بها.

حُكي عن معجزة الشِّفاء بإيجاز ووضوح. على الرغم من أن يوحنّا لا يُشير إليها في هذه المرّة، فإنّ كلَّ شِفاء خارق للعُرجان مرتبط بإشعياء ٣٥: ٦: ”ويقفز الأعرج كالغزال“. وقد وعد الله أنّ زمن الخلاص سيأتي ذاتَ يوم، وعندها فإنّ المكفوفين سيُبصرون، والصُمّ سيسمعون والعُرجان سيقفزون بفرحة غامرة. عندما كان الرجل، الذي عانى من المرض مدّةَ ثمانيةٍ وأربعين عامًا، قد نهض متجوّلًا حاملًا سريرَه، فكان معنى ذلك أنّ وعودَ الله العظيمةَ قد تحقّقت.

ومع ذلك، من خلال القيام بهذا العمل، يكون يسوع قدِ انتهك أقدسَ شيء عند الفرّيسيين، حصل الشِّفاء يومَ السبت ووَفْقا للناموس يُحظَر حملُ أيّة ممتلكات في ذلك اليوم حظْرًا تامًّا. خلافًا لما هو الحال في قصص الأناجيل الثلاثة الأولى، هنا حتّى لم يقُل يسوعُ للرجل عُد إلى بيتك، ولكن تمشّ واحمل سريرَك. يبدو أن يسوعَ قد سلك بخـلاف التعليم السائد المألوفِ عن قصد، وهذا قد ألهب غضبًا شديدا.

إنّ الطريقةَ التي برّر فيها يسوعُ عملَه، قد ضاعفت حدّة الغيظ. الله يعمل باستمرار، يومًا بعد يوم، وابن الله يقوم بالضبط بنفس المنوال في العالَم. ونظام السبت يُكبّل يسوع قليلًا كما يُقيّد الله. بعد هذا التعليم، أمامَنا المرّة الأولى في إنجيل يوحنّا حيث نرى لمحةً عن نيّة اليهود في قتل يسوع.

الآب والابن واحِد ٥: ١٩ــ٢٣

بطريقة نموذجية لإنجيل يوحنّا، يستمرّ الأصحاح بمناجاة يسوعَ وليس بمحادثة فعلية بينه وبين اليهود. وكلمات الخطاب الأولى تشرَح الكلماتِ التي أغضبتِ اليهودَ, وجعلتهم محتدّين وهي: يسوع يساوي الله. إنّ الأساس لعمل يسوع هو أنّه ٱبنُ الله، وأنّ الآبَ قد منحه كلّ السُّلطة. الابن يواكب أعمال أبيه وهو نفسه يفعَل الشيء ذاتَه. هو لا يخضَع لحُكم الناس بل بالعكس، لأنّ الآب قد أعطى الابن كلَّ السلطة القضائية. إرادة الله ومشيئته تكريمُ الابن مثل الآب، ومن يُمجّد الابنَ يمجّد الآب. إنّ إنجيل يوحنّا يُعلن الآن رسالة مسيحية واضحة وقوية. وهي بشكل ما، تشرَح بإيجاز وجلاء ما ورد في التفويض العظيم:

”فدنا منهم يسوعُ وقال لهم: نلتُ كلّ سلطان في السماء والأرض (متّى ٢٨: ١٨)“.

أساسُ تفويضِ الابنِ هو سلطةُ الديْنونة ٥: ٢٤-٢٩

إنّ الله لم يمنحِ السلطةَ لابنه من أجل الشكليات. لكلّ شيء غرضٌ واضح، كان يسوع قد أوجزه في إنجيل يوحنّا ٣: ١٦. لبّ السلطة التي منحها الله، هو نقلُ الناس الذين في الدينونة والموت إلى الحرية والحياة.

من سِمات إنجيل يوحنّا النموذجيةِ وقوع الدينونة بطريقتين. إنّها تحدُث في عاقبة الأيّام، ولكنّها واقعة بالفعل أيضًا عند سماعنا لكلماتِ يسوع. بالكاد يتحدّث يوحنّا عن الدينونة النهائية، لكنّها لا تزال تبدو بديهية. سيكون هنالك وقت، يسمع فيه كلُّ مَن في القبر صوتَ الديّان العظيم وينهض للدينونة. أولئك الذين عملوا الخير سيُحكم عليهم بالفرح الأبدي، أمّا أولئك الذين فعلوا الشرّ فسيتِمّ الحكم عليهم بإدانة أبدية.

خلفية ذلك هي رؤيا دانيال الكبيرة (دانيال ٧: ١٣؛ ١٢: ١-٣)، التي فيها يكون الديّان ”مثل ابن الإنسان“، وبالتالي، مثل الإنسان. وبسبب هذه الكلمات توقَّع الناس حضورَ ”ابن الإنسان“ للحُكم. يسوع يُعلن أنّه هو ابن الله المتنبّأ به "ابن الإنسان" وديّان البشرية.

ميزة أخرى نموذجية لإنجيل يوحنّا، على وجه الخصوص، هي أنّ الدينونة لا تحصُل في عاقبة الزمان فقط. أعطى الآبُ السلطة لابنه، ولذلك علينا ألّا ننتظر الدينونة أو الخلاص أو الافتداء حتّى الدينونة النهائية، ولكن في الوقت، الذي يسمع فيه الميّتُ صوتَ ابن الله ويحصُل على الحياة يكون بالفعل هنا. إنّ مصيرنا الأبديَّ قد حُسم هنا، والآن على ضوْء علاقتنا مع يسوع المسيح. إذا كنّا مع المسيح، فلا موتَ هناك بل نتمتّع بالحياة فقط. وإذا لم نكُن مع المسيح، فلا حياةَ لنا بل مُجرّد موت.

ما يُثبتُ أنّ المسيحَ يقولُ الحقيقة؟ ٥: ٣٠-٤٥

من الواضح أنّ اليهود قد ذُهلوا عند سماعهم كلماتِ يسوع. كيف عرفوا أنّه كان يقول الحقيقة؟ كان هنالك الكثير من الشهود وبرهان ذلك: • يشهَد يوحنّا المعْمَدان بيسوعَ، كما ورد في الأصحاحين، الأوّل والثالث. • تشير معجزات يسوعَ إلى أنّ الله قد أرسله، وعلينا أخذ ما ورد في إشعياء ٣٥، بعين الاعتبار على سبيل المثال، كخلفية. • يشهد الله نفسُه عنه في كلمته - في العهد القديم. هذه الشَّهادات الثلاثُ تكوّن سببًا كافيًا للاعتراف بتفويض يسوعَ والإيمان به. ومع ذلك، لم يقُمِ اليهود بذلك، وعليه لم يحظوا بالحياة.

في كلّ الشهادات الثلاث نواحٍ مثيرة جدًّا للاهتمام. ولدى يوحنّا موقف خاصٌّ يتجلّى في جميع الأناجيل. إنّ مدلولَ العجائب التي قام بها يسوع قد كان أكثرَ بكثير من مجرّد شِفاء أفراد من الناس أو شعور المتفرّجين بالافتتان. إنّها بمثابة إقرار بأنّ يسوع هو الذي يقول إنهّ هو.

والشاهد الثالث هو الأهمّ، الله يشهد بيسوعَ المسيحِ، ولا سيّما في العهد القديم. وهذه هي بالضبط الطريقةُ التي قرأ فيها يسوع والرسُل العهدَ القديم. وإدراكًا منهم أنّ اليهود لم يتمكّنوا من العثور عليه، على سبيل المثال، في أسفار موسى الخمسة (التوراة: التكوين والخروج واللاويون والعدد والتثنية)، استخدمتِ الكنيسة الأولى المسيحَ مِفتاحًا للكتاب المقدّس برمّته.

ربّما علينا في الوقت ذاته، أن نُشير إلى مسألة اتّفق عليها في الواقع، يسوعُ واليهودُ والكنيسة الأولى، ولكنّها في الوقت الحاضر منسيةٌ في كثير من الأحيان. إنّ الآيات ٣٧-٤٠، وشَهادة الآب وكلمةُ الكتاب المقدّس (العهد القديم) متساوية. تعترف كنيستنا بأنّ الروح القُدسَ قد تكلّم من خلال الرُّسل والأنبياء، وهكذا يُعتبر الكتاب المقدّس كلُّه كلمة الله. وكلّ من يُنكر هذا يكون قدِ ٱبتعد عن الحقيقة.