أهمُّ هديةٍ يُمكِنُ أن نُقَدِّمَها للطفل

بقلم: 
القِسّ يَري رَنْكِنِ
ترجمة وتدقيق: 
حسيب شحادة

نحن نحِبُّ أطفالَنا ونريد أن نُعطيَهم أحسنَ الأشياء. هل نقومُ بذلك حقًّا؟ إنّ الأحسنَ والأفضلَ ليس ارتداءَ الملابس الفاخرة أو تقديم الهدايا. إنّ الأفضلُ هو الإيمانُ بيسوعَ المسيحِ.

قال صديقٌ لي، كان يُعلِّم الأطفالَ عنِ الإيمان منذُ فترة مديدة، ”إنّ قلبَ الطِّفل هو دائمًا التُّربة الخَصِبة لمثل الباذر.“ الأطفال منفَتِحون ومُصغون ويتقبّلونَ ما نُعلِّمُهم إيّاه. عندما يكبُر الشخصُ يُصبح أكثرَ ٱنغلاقًا، ويغدو تلقّي الدروس عنِ الله إن لم يكُن مستحيلًا - لا شيءَ مستحيلًا عند الله - أصعبَ من ذلك بكثير. لذلك، منَ الأهميّة بمكان التحدّث عن الله خاصّة للأطفال.

إنّ أغلبيّةَ أولئك الذين ٱشتركوا في دروس تعليم الكتاب المقدّس في طُفولتهم، يعيشون في الإيمان أو سيعودون إلى درْب الإيمان، بعد أن تجوّلوا وطافوا في سُبُل أخرى لمدّة ما، وأدركوا أنّهم كانوا على خطأ. ربّما لن يحيا آباؤهم لرؤية هذا التحوّلَ ويموتون حزنًا وغمًّا على أن طفلَهم غيرُ مؤمن. لقد قِيل إنّ الطفلَ من بيتٍ مسيحيّ سيحيا إمّا في الإيمان أو بضمير مُذنِب ولا يستطيعُ محاربةَ ضميره إلى الأبد.

ثمّة سببٌ آخرُ لتعليم الكتاب المقدَّس للأطفال، وهو أنَّ أطفالَنا اليومَ يتعلّمون أشياءَ أُخرى كثيرة جدّا؛ يتجاهلون مواضيعَ الإيمان فهي محظورة، وتفكير الطفل زاخِرٌ تمامًا بأمورٍ أُخرى، أو أنّ إيمانَنا مشوَّش ومضطربٌ بحكايات خُرافية وأديان أخرى. والتلفزيون، على وجه الخُصوص، يعلِّم هذا للأطفال.

ماذا يُعطي الإيمانُ للطفل؟

ابنُنا مارتّي كان خائفًا منَ الذهابَ إلى الفِراش. سمِعنا، أنا وزوجتي من غرفة نومه المظلِمة هذه الكلماتِ التي ٱنطلقت بجدّية من طفل عمرُه أربعُ سنوات، ”عزيزي يسوع، امنح مارتّي نومًا جيدًا“. وفي الصباح، قال لنا الصبي أنّه لم يشعُر بالخوف والرُعب على الإطلاق. إنّ الإيمانَ بيسوعَ يمنحُ الأمنَ والاطمئنان والحمايةَ للصغير وللكبير على حدٍّ سواء: معي إله عظيمٌ في جميع الظروف وهو يعتني بي ويحميني .

الإيمان بيسوعَ المسيحِ يُعطي معنىً للحياة. أنا لستُ هنا هكذا بمجرّد الصُّدفة، ولكن لأنّ اللهَ خلقني هنا ومنحني نسمةَ الحياة. لو كنّا نعرِف هذه الحقيقة البسيطةَ ونؤمن بها، لما كانتِ الحياةُ تافهةً أو عبثية على الإطلاق. هنالك الكثير ممَّن لا يُؤمنون، لذا فلا عجبَ أن تكون حياة الطفل قد فقدت معناها أيضًا.

إنّ الإيمانَ بيسوعَ المسيحِ يُعلِّمنا أفضلَ وسيلة لفرز الصواب عنِ الخطأ. والصواب هو ما يطلبُه الكتاب المقدَّس منّا للقيام به، وما يحظُره فهو خطأ. إذا تعلّم الأطفال إطاعةَ الكتاب المقدَّس، لتمكّنوا من تجنِّب الكثير من الدموع المريرة. كما أنّ الإيمانَ بيسوعَ المسيحِ يُعطي القوّة لمتابعة الكتاب المقدّس والامتثال له.

يشعُر الأطفال بالذنْب بسبب أفعالهم الشِّرّيرة. الشعور بالذنب هو جائرٌ وجالب للكآبة، وينهَش إرادة العيش. إنّ أفضلَ علاج للذْنب هو الإيمانُ بيسوعَ المسيح. نحن لا نقولُ لأطفالنا أنّه لا توجد أشياءُ مثل الخطايا والآثام - هم بأنفسهم يعرِفون أنّهم ارتكبوا خطأ. لكنّهم يتلقّون الغُفران من يسوعَ المسيحِ على كل شيء، وذلك سيمنحُهم ضميرًا حيّا.

في هذه الحياة، لا وجودَ لشيء مهمٍّ مثل هذه الحقائق. وننقُلها لأولادنا إذا علّمناهم كلمةَ الله. ونحن نُحرمُهم من تلك، إذا لم نُزوّدهم بالكلمةَ، التي يولِدُ اللهُ بها الإيمانَ بيسوعَ المسيح.

بعد هذه الحياة في هذه الدنيا الفانية، هناك الخُلود في السماء والجحيم. ونصِل إلى السماء من خلال الإيمان بيسوعَ المسيحِ فقط. وإذا رغِبنا في أن يصِلَ أولادُنا إلى السماء ذات يوم ، فيجِب أن نُعلِّمَهم كلمة الله.

ماذا يعني التعليمُ؟

أن نأخُذَ الأطفالَ إلى الكنيسة، نصلّي معهم صلاةَ المساء، أو نقول لهم أحيانًا شيئًا ما عنِ الله. هذا مهمّ أيضًا، ولكنّه ليس بتعليمٍ حقًا. إذا قُمت بتعليم الرياضياتِ للأطفال، فأجلس بجانبهم وحلّ تمارينَ الرياضيات معهم. هذا ما يجِب أن تكون عليه حقائقُ التعليم عن الإيمان: أنا أُخصِّصُ الوقت لذلك، أجلس بجِوار الأطفال، أتحدّث معهم عنِ الله وأسألُ عما إذا كانوا قد فهموا.

بدأ يُوهو الذهابَ إلى المدرسة في الخريف الماضي. وباتّباع مثال أصدقاء عائلتنا ٱتّفقنا مع يُوهو على تعلِّم الوصايا العشْر، وقانون الإيمان، والصلاة الربّانية قبل بدء المدرسة. لقد جلسنا معًا في فصلَي الربيع والصيف عدّةَ مرّات، وتلَوتُ بصوت عالٍ ما في كلّ قِسْم، وكرّره الصبيُّ حتى حفِظَه، ثمَّ ناقشْنا معناه. لقد مرْرنا بالكثير منَ الحقائق حولَ إيماننا. أصغى الصبي بٱهتمام، طرح أسئلة، وأظنُّ أنّه قد تعلَّم أيضًا.

وقد علَّم ٱلابنُ الأبَ أيضا. بينما كنّا نتحدّث عنِ الوصية السادسة (لا تزّنِ)، سألتُ الصبيَّ ماذا تعني، فكَّر يوهو هُنيهةً وأجاب ”حسنًا، إذا كانت لديك زوجة، ولكنّك أدركتَ في ما بعد أنّك لستَ راضيًا تمامًا عنها، ومع هذا فلا يجِب أن تتركَها“.

ماذا لو ٱستمررتَ بهذا الأُسوب وتناولتَ تعليمَ النِّقاط الأساسيّة لإيماننا للطفل؟ تمَهّل، على الأقل، عند الكلام عن حقائق الإيمان معَ الطفل. فهذا سيؤثِّر على جعْل مواضيع الإيمان بهذه الطريقة للطفل مواضيع طبيعية يُمكن مناقشتُها أيضًا مثل أيِّ شيء آخر.

ما الذي يجِبُ تعليمُه؟

الطفل بريءٌ ويطالِب بالبراءة والاستقامة. ما تمَّ تعليمُه ينبغي ألا يُبطَل أو يُلغَى، فإذا أُبطِل فسيسأل الأطفالُ أنفسُهم في ما إذا كان الإيمان كلُّه كِذبة. بعد أنْ تمَّ إيضاح وجود جهنّم، علينا ألّا نقول ذلك للطفل، مع ذلك، فالجميعُ سيذهبون إلى السماء. إنّ قولَ الصِّدق صعبٌ وبخاصّة في هذه النقطة. لا أقصِد، علينا أن نقول إنّ الجارَ الذي، كما يبدو، لم يَعتنِ بأيّ شيء عن يسوعَ المسيح، ثمَّ مات وراح حتمًا إلى الجحيم. من الصِّدق والنزاهة القولُ، ”نحن لا نعرِف مصيرَه؛ نترُكه في يد الله، وسيحاكمُه الله كما يراهُ مناسبا. لكنّنا نؤمن بيسوعَ المسيح، لكي نكون على يقين من الذهاب إلى السماء.“

كما يجِب تعليمُ الأطفال الناموسَ (التوْراة) والإنجيل؛ أخْبِرهم بما تقولُه وصايا الله. تَحدَّثْ عن إلهنا العظيم القُدّوس الذي يكرَه الخطيئة. وأخبرهِم بأنّ يسوعَ المسيحَ مات من أجلنا، وغُفِرت كلُّ ذُنوبِنا، وبسَبب موت يسوعَ المسيح، فإنّ اللَه يقبلُنا كما نحن، على حالِنا. إِحكِ للطِّفل عن إلهنا المحبّ والرحيم، والذي يقودُنا إلى بيتنا في السماء.

لماذا لا نُعَلِّمُ؟

نحن نعتبِر أنّه منَ المهمّ تعليم موادّ عن الدين والإيمان للأطفال. ومعَ ذلك فإنّنا نُعلِّم النزرَ اليسير من هذه الأمورَ؛ وقد يعود ذلك لضيق الوقت. تمرُّ الأيّام بسرعة منَ الصباح إلى المساء، وهنالك أشياءُ أخرى كثيرة لحدٍّ كبير. كما يعمَل الشيطان على جعْل الحياة مليئةً بالأشغال بحيثُ لا يبقى وقتٌ لمناقشة مسائل الإيمان معَ أطفالنا. والكتاب المقدَّس يدعونا إلى مقاومة إبليس. وهذه المقاومة تعني أيضًا إعطاءَ أولوية أقلَّ لأشياءَ أُخرى مثل العمل، التنظيف، ومن ثَمّ تكريس الوقت لتلك القضايا الأكثر أهمية.

أو ربّما لا نتحدَّث عن مسائل الإيمان لأنّنا نخشى أن يطرَحَ الطفلُ أسئلةً صعبة، ولا ريبَ في ذلك. ولكن ليس من المفروض علينا معرفة جميع الإجابات، بإمكاننا القول ”لا أعرِف“. وينبغي تعليمُ الطفل أيضًا أن يعبُد اللهَ العظيم، الذي لا نفهَم عنه كلَّ شيءٍ. إنّنا نؤمِن بالله الحيّ، وليس بإله صنَعْناه نحن ونعرِف عنه كلَّ شيء. غالبًا ما نفتقر إلى هذه القُدرة. نحن نرفُض أن نكون صِغارًا كما نحن. وهل يُمكن تعليمُ هذا أيضًا للمراهِق المتمرِّد ضدَّ مسائل الإيمان؟ إنّنا نستطيع التوقّفَ للتفكير والتأمّل في ما يعلّمه الكتاب المقدَّس، على الرغم من عدَم فَهمنا له في الوقت الراهن. ربَّما سنفهَم في ما بعد أكثرَ بقليل. وإذا قُمنا بذلك فإنّ الكتاب المقدَّسَ، بطريقة ما لا نستطيع تفسيرها، سيجعلنا نتأكّد من صحّته. ينبغي الاعتراف بكوننا بشرًا محدودي الإدراك والفهم، ولا عجَبَ في عدم فهم كلّ ما يقوله الخالق القادر على كل شيء. قد يجعلنا نفهم ما استغلق علينا بواسطة الروح القُدس ويترسّخ إيمانُنا بأنّ الكتابَ المقدّس هو كلمة الله..

ربّما كان كلامُنا القليل لهذا الحدّ عن مسائل الإيمان، نابعًا من كوْننا نخشى أن يُواجهَ أطفالُنا تناقضاتٍ - فليس جميعُ أصدقائهم مؤمنين - أو أنّنا نخشى أن يتعرّض أطفالُنا للتنمّر والمضايقة بسبب إيمانهم. وهذا قد يحدُث. ولكن منَ الجيِّد مواجهةُ الواقع مُبكِّرًا، فليس الجميعُ في عِداد المؤمنين، وأنّ هناك ثمنًا تدفعُه مقابلَ إيمانك. على أيّ حال، لا بدَّ من مواجهة هذا الواقع في مرحلة ما وتقبّله، إذا كنتَ راغبًا في السير نحو الجنّة.

غالبًا ما أشعُر بأنّي غيرُ مؤهَّل للتحدّث معَ الأولاد عنِ الله؛ أنا لستُ ما يجِب أن أكون، أغضَب في البيت وأتفوَّه بأشياءَ سيّئة جدّا. ومع ذلك، فإنّي أحاول التحدّث. وربّما هنا تكمُن التعاليم الرئيسيةُ التي سيفهمُها أطفالي لاحقًا: والدي لم يكُن قدّيسًا إلّا أنّه آمَن بيسوعَ المسيح. وهذا ما سأفعلُه أيضًا، وأنا قادرٌ على ذلك، على الرغم من أنَّني آثِم.

الإيمانُ هو عملُ الله

لا نستطيعُ أن نجعَلَ أيَّ شخص ينضمُّ إلى الإيمان، ولا طفلنا حتّى. إنّ اللَه يمنحُ الإيمانَ لمن يشاء. إنّ الإيمانَ بالربِّ المصلوب ليس مجرَّد نظرة عالمية واحدة من بين وِجهات نظر أخرى، نختارها ويتبنّاها الأطفال أيضا. الإيمانُ المسيحي هو شيءٌ آخرُ تمامًا، وأكثرُ من ذلك بما لا يُقاس. ولكن منَ الصواب أيضًا، أنّ الإيمانَ لا يظهَر بطريقة ما من العدم فحسب. إنّ اللهَ يأتي به بكلمته فقط، لا غير. أنت لا تستطيع منحَ أطفالك الإيمان، ولكنّك قادرٌ على أن تعطيَهم كلمةَ الله. والله موجودٌ في الكلمات التي تنطُقها- عندما تقرأ وتعلِّم الكتاب المقدَّس - وهو يعمَل في طفلك. قد تبدو اللحظاتُ، التي تتحدّث فيها عن كلمة الله لطفلك، بسيطةً ومُشوَّشة لدرجة عدَم قدرتك على تصديق ذلك. ولكن هذا ما يدور حوله؛ هل سمِع أولادُك كلمةَ الله؟

لحَظاتٌ جيِّدة

منَ الأهميّة بمكان تذكُّر تلك اللحظات، التي تمَّ فيها الحديثُ عن حقائق الإيمان، كأوقات جميلة حسنة، فهذا سيساهمُ في ٱستيعاب الكلمة. وبالكاد قد يستفيدُ المستمعُ لكلمة الله، إذا شعر بعدَ ذلك بكرَبٍ وغمٍّ وظُلم..

على أيّ حال، لا يُمكن إرغامُ الأطفال الأكبر سنًا على الاستماع إلى الكلمة، لكنّنا قد نُشجِّعُهم. وقد نستخدم، على سبيل المثال، القليلَ من الرشوة. على كلّ حال، ستعمَل كلمةُ الله في فؤاد الطفل أوِ البالِغ، بغِضِّ النظَر عن سبب قُدومهم لسماع الكلمة.

صلاة العِشاء

هل تحرِص على تِلاوة صلاة العِشاء في بيتك؟ ذلك، لا يجب أن يكون حدثًا معقَّدًا. في غرفة المعيشة أو حُجرة نوم الطفل، يمكن أن تقرأ من الكتاب المقدّس، أو من الكتاب المقدَّس للأطفال أو من كتاب صلوات، وتصلّي الصلاة الربّانية سويّةً، وترتِّل ترنيمة ما. ففي مثل هذه اللحظات تُبذَر البذرة الجيّدة التي ستنبُت وتنمو في الوقت المناسب - حتّى عندما نشُكّ في ما إذا كان أيُّ شيء سيغرق. وخلال صلَوات العِشاء، من الجيّد أيضًا تكريس بعض الوقت للمحادثات العامّة حولَ الإيمان أو عن شؤون اليوم. ومن الجيّد أيضًا أن تسأل الأطفالَ عن فَقْرة الكتاب المقدّس التي قرأتَها - وغالبًا ما تحصُل على إجابات رائعة ومدهشة.

تكلَّمْ معَ الله

قال لي صديقي ”كان والدي بعيدًا عنِ البيت كثيرًا، لدرجة أنّه لم يكن لديه أيّ وقت لتوجيهي بخُصوص الإيمان. ولكنّني أعرِف أنّه أثناءَ رِحْلاتِه، كان يُصلّي من أجلي كثيرًا. وٱعتقد أنّ تأثيرَ صلاة والدي جعلتْني مؤمنًا الآن.“ وعندما لا تستطيعُ لسببٍ ما التحدّثَ مع أطفالك عنِ الله، كلِّمِ اللهَ عنهم؛ تأثير ذلك سيكون رائعًا.