ناموس/شريعة موسى والمسيحيّون

بقلم: 
د. إركّي كوسْكِننيمي
ترجمة وتدقيق: 
حسيب شحادة

يتكوّن كتابُ المسيحيّين المقدّسُ من قِسمين - العهد القديم والعهد الجديد. وقد ذهب بعضُ المعلّمين إلى أنّ العهد القديمَ لا يخُصّ المسيحيّين، ولكن هذا التعليم يُعارض ما ورد عن أوائل المسيحيّين وتيّار الكنيسة الرئيسي. إنّ قِصَص إبراهيمَ الخليل وإسحقَ ويعقوب هي جزءٌ من تاريخ شعب الله، وسِفْر المزامير كان جزءً من قُدّاس يوم الأحد في الكنيسة منذ البداية.

ولكن ماذا بشأن شريعة موسى ووصاياها؟ الرسول بولسُ كان قد رفض حَتْمًا الفكرة القائلةَ بأنّه ينبغي للمسيحيّين الأُمميّين (من أصل وثني) أن يمتثِلوا لشريعة موسى. وأضاف قائلًا بأنّ ذلك الناموس الموسويَّ قد أُعطي للشعب اليهودي فقط. وقد ساد هذا الرأيُ بعد ذلك ببضعة عُقود دون منازع أو معارضة. على كلّ حال، الأمر مُعقّدٌ ويستحقّ النظرَ فيه عن كثَب.

ماذا نعْني بكلمة ”ناموس/شريعة“؟

بادىء ذي بَدْء، من الجيّد أن نُشير إلى أنّ كلمة ”ناموس/قانون/شريعة/توراة“ تحمِل معاني مختلفة كثيرةً في الكتاب المقدّس، وكذلك في مواضعَ أُخرى. هذه الكلمة معناها: قانون/ناموس، نظام، عادة. إنّ الشعب اليهوديَّ لم يفصِلِ التوراة المكتوبةَ (العهد القديم) عن التوراة الشفوية (المشناة والتلمود) بعِناية كما يفعَل المسيحيّون. وهكذا ورِث المسيحيّون معانيَ مختلفةً للكلمة بِحَسَب مصادرَ متباينة. ممّا سبّب، وما زال يسبّب، بعضَ الإرباك والبلبلة. يُمكنُنا، على الأقلّ> الإشارةُ إلى البدائل التالية:

١) معنى القانون/الناموس هو أسفارُ العهد القديم الخمسةُ الأولى، ويُسمّى باليونانية pentateukhos أي خمسة أسفار ككِيانٍ واحد وكذلك في العبرية حُوماش - وهذا يعني، على سبيل المثال، كتابات عن إبراهيم الخليل (رومية ٣: ٣١). وعند الحديث عن العهد القديم ، يُمكن للمرء أن يفصِل ”الناموس/التوراة“ عن الأنبياء والكتابات أو التفريق بين ”التوراة والأنبياء“ فقط.

٢) الناموس/الشريعة يعني القانون برُمّته الذي أعطاه الله لموسى (غلاطية ٣: ١٧) أو جزء منه فقط (غلاطية ٥: ٢-٣).

٣) إنّ الناموسَ/الشريعة حُكمُ الرُعب والإرهاب الذي يُحاكمُنا ويحتاج الخاطىءُ إلى التحرّر منه (رومية ٧).

٤) معنى ”الناموس“ إرادة الله كثيرة المطالب. وفي الإيمان اللوثري بشكل خاصّ معناها عكس كلمة ”إنْجيل“. الناموس يعني الأشياءَ التي يُطالب اللهُ بها - وذلك لا يُعطينا شيئا. وفي المقابل، الإنجيل معناه جميعُ الأمور التي يُعطينا إياها الله من أجل يسوعَ المسيح - وذلك لا يتطلّب منّا شيئا. يُعتبر هذان المفهومان من أهمّ القضايا المركزية في الإيمان اللوثري.

٥) الناموس يعني المبادىء التوجيهية/الإرشادية لحياة المسيحيّين (رسالة القدّيس يعقوب ١: ٥).

وهكذا، نلاحظ أنّ كلمة واحدةً قد تعني أشياءَ مختلفة كثيرة. لا عجبَ إذن، أنّ الحيْرة والارتباك يكونان من نصيب الكثيرين في هذه المسألة؛ ودراسة هذا الموضوع تتطلّب الكثير من الصبر والتأنّي.

الشعب اليهودي في زمن يسوعَ المسيح والناموس/الشريعة

كانتِ الشريعة لدى الشعب اليهودي في عهد يسوعَ المسيح مصدرًا عظيمًا للفخر والبهجة. ويُذكر أنّ العيشَ وفْق الناموس ميّز الشعب اليهودي عنِ الآخرين، الوثنيّين. ولم يُعتَبَرْ هذا الناموس عِبئًا بل كان فرحًا عظيمًا وهبة. ويتجلّى هذا الموقف، على سبيل المثال، في سفر المزامير ١١٩: ٩٢ ”لَوْ لَمْ تَكُنْ شَرِيعَتُكَ لَذَّتِي، لَهَلَكْتُ حِينَئِذٍ فِي مَذَلَّتِي“.

وضع الحكماء والمعلّمون اليهودُ مئاتِ الفروض الدينية في شريعتهم، ويلي كلَّ فريضة شرح تقليديٌّ، وقد أشار يسوعُ المسيح إلى تلك الفروض بعبارة ”تقليد الحكماء“.

مثال ذلك: ناموس موسى (سفر التثنية ٢٥: ٣،  أَرْبَعِينَ يَجْلِدُهُ. لَا يَزِدْ، لِئَلَّا إِذَا زَادَ فِي جَلْدِهِ عَلَى هَذِهِ ضَرَبَاتٍ كَثِيرَةً، يُحْتَقَرَ أَخُوكَ فِي عَيْنَيْكَ) يحظر إهانة بني إسرائيل من خلال جلدهم أكثر من أربعين جلدة. وبموجب التعليم التقليدي كان الناموس ينُصّ على ألّا تتعدّى الجلدات تسعًا وثلاثين جلدة. والرسول بولس يشير إلى ذلك في رسالته الثانية إلى أهْل كُورِنْثُوس ١١: ٢٤ (مِنَ ٱلْيَهُودِ خَمْسَ مَرَّاتٍ قَبِلْتُ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً إِلَّا وَاحِدَةً). إنّهم لم يشفقوا على الشخص المعاقب، إلّا أنّهم حرَصوا على عدم انتهاك شريعة الله المقدّسة. كان لِزامًا أن يكون الناموس ”محميًا/مصونًا بسور“ لئلّا ينكسِر حتّى ولا بالصدفة، من غير قصْد. وبنفس الطريقة أعطى الفريسيّ الذي وصفه يسوع المسيح، أعشارًا من كلّ ما أنتجه وكذلك أعشارًا ممّا اشتراه بغية الاطمئنان والتأكّد (إنجيل البشير لوقا ١٨: ١٢؛ أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي ٱلْأُسْبُوعِ، وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِيهِ). كان منَ الأفضل دفع العُشور مرّتين بدلًا من عدم دفعها بالمرّة.

وهنالك شرح خاصٌّ يلي كلَّ فرض ديني، وهذه المئات من الفروض (في الواقع عددها ٦١٣، ٢٤٨ منها توجب الفعل والباقي ٣٦٥ تنهى عن الفعل) ارتبطت بآلاف وآلاف من التعاليم، ولا يُمكن أن يتتبّعها سوى خبير حقيقيٍّ في هذا المجال. وبالتالي، لا غرْوَ في كوْن الفريسي راضيًا جدًّا عن الشريعة وعن خِبرته فيها. وهذه الشريعة بالنسبة لليهودي كانت أساسَ الهُويّة الوطنية وشملت الجوانبَ الاجتماعية والأخلاقية والتعليماتِ بخصوص عبادة الله.

الأُمميّون (المسيحيّون من أصول وثنية) والناموس

كانتِ القاعدة الأساسية بعد موت يسوعَ المسيح وقيامته، تقول إنّ اليهودَ سيسلُكون بحَسب الشريعة حتّى بعد إيمانهم بالمسيح. وقدِ ٱعتقد الكثيرون أنّ الأمميّين ملزَمون بإطاعة الشريعة أيضا، وأنّ عليهم دخول المسيحية من خلال اليهودية. وهذا معناه، أنّ الناسَ بحاجة للانصياع لناموس موسى، ويأتي في المقام الأوّل القيام بخِتانة الذكور؛ عندها فقط بإمكان المرء أن يُصبح مسيحيّا.

انتهج كلّ من الرسول بولسَ وبَرْنابا نهجًا مختلفًا في تعليميهما. في رحلتهما التبشيرية (أُنظر أعمال الرُّسُل ١٣-١٤) بشّرا بالإنجيل لغير اليهود، ولكنّهما لم يطلُبا منهم الامتثال لشريعة موسى. ما فعله الله في يسوعَ المسيح كان كافيًا وقد تمثّل في المعمودية. وسُرْعان ما نشِب الخلاف ويصفه البشير لوقا بهذا النحو:

١ وَٱنْحَدَرَ قَوْمٌ مِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ، وَجَعَلُوا يُعَلِّمُونَ ٱلْإِخْوَةَ أَنَّهُ: «إِنْ لَمْ تَخْتَتِنُوا حَسَبَ عَادَةِ مُوسَى، لَا يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَخْلُصُوا». ٢ فَلَمَّا حَصَلَ لِبُولُسَ وَبَرْنَابَا مُنَازَعَةٌ وَمُبَاحَثَةٌ لَيْسَتْ بِقَلِيلَةٍ مَعَهُمْ، رَتَّبُوا أَنْ يَصْعَدَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا وَأُنَاسٌ آخَرُونَ مِنْهُمْ إِلَى ٱلرُّسُلِ وَٱلْمَشَايِخِ إِلَى أُورُشَلِيمَ مِنْ أَجْلِ هَذِهِ ٱلْمَسْأَلَةِ (أعْمال الرُّسُل ١٥: ١-٢).

ومنَ الممْكن الاطّلاعُ على وُجْهة نظر الرسول بولُس في رسالته إلى أهل غلاطيّة:

١٠ لِأَنَّ جَمِيعَ ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ أَعْمَالِ ٱلنَّامُوسِ هُمْ تَحْتَ لَعْنَةٍ، لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ لَا يَثْبُتُ فِي جَمِيعِ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ ٱلنَّامُوسِ لِيَعْمَلَ بِهِ». ١١ وَلَكِنْ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَتَبَرَّرُ بِٱلنَّامُوسِ عِنْدَ ٱللهِ فَظَاهِرٌ، لِأَنَّ «ٱلْبَارَّ بِٱلْإِيمَانِ يَحْيَا» (غلاطيّة ٣: ١٠-١١).

 قَدْ تَبَطَّلْتُمْ عَنِ ٱلْمَسِيحِ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ تَتَبَرَّرُونَ بِٱلنَّامُوسِ. سَقَطْتُمْ مِنَ ٱلنِّعْمَةِ (غلاطيّة ٥: ٤).

وفي اجتماع للرُّسُل فاز رأي بولُس، وعلى ضُوء إنجيل البشير لوقا، يُشكّل بطرس ويعقوب الرأي؛ ويقول بطرس ما يلي:

” فَٱلْآنَ لِمَاذَا تُجَرِّبُونَ ٱللهَ بِوَضْعِ نِيرٍ عَلَى عُنُقِ ٱلتَّلَامِيذِ لَمْ يَسْتَطِعْ آبَاؤُنَا وَلَا نَحْنُ أَنْ نَحْمِلَهُ؟“ (أعمال ١٥: ١٠).

ويقول القدّيس يعقوب:

”١٩ لِذَلِكَ أَنَا أَرَى أَنْ لَا يُثَقَّلَ عَلَى ٱلرَّاجِعِينَ إِلَى ٱللهِ مِنَ ٱلْأُمَمِ“ (أعمال ١٥: ١٩).

هنالك تفاصيلُ طفيفة ذُكرت في اجتماع الرُّسُل، منها نصيحةٌ تمكِّنُ الأُمميّين من العيش مع اليهود. أفْهمُ مثلًا بأنّ التعليماتِ بتحريم أكل أو شُرب الدم، تكون ساريةَ المفعول حالما أعيش بين اليهود. وإذا عارض شخصٌ ما ذلك فدعْه لا يأكل. وهذه الجزئية لا تتعارض مع الفكرة الرئيسية: لا حاجةَ للأُمميّين لاحترامِ ناموس موسى، أمّا اليهود فبَلَى، ولكنّ ذلك ليس سبيلًا لخلاصهم أيضا. قلائلُ هم الذين يتجاهلون كلماتِ بولسَ وبطرس ويعقوب، ويحاولون كأُمميّين الالتزام بشريعة موسى. إنّهم سيُحاكَمون على ذلك في الوقت المناسب، لأنّه لا ينبغي الاستخفاف بكلمات بولُس الرسول.

هلِ الناموسُ مَلْغيٌّ إذَنْ؟

إنّ الحقيقة الأساسيةَ واضحة: ناموس موسى لم يُعطَ للأُمميّين وعليه فلسنا بحاجةٍ لتطبيقه. ومن الضرري التأكيد هنا أنّ كلمة ”ناموس/شريعة“ تعود إلى النبي موسى. ولكن إذا أخذنا بالحِسبان عدّةَ معانٍ أُخرى للكلمة المذكورة، فإنّها لا تزال تنطبِق علينا. هنالك، على سبيل المثال، ”إرادة الله كثيرة المطالب“ وعلى المسيحيّين الامتثال لإرادته؛ ولكنّ هذا أمر آخرُ وسيُبحث لاحقا.

يوضِح العهد الجديد أنّ المسيحيَّ الأمميَّ غير مُلزَم بناموس موسى، وهذه نقطةُ انطلاقنا بجلاء. في الوقت ذاته يُشير العهد الجديد في كثير من الأحيان، إلى الوصايا والفروض التي أعطاها الله في العهد القديم (مثلًا: متّى ٥: ٢١، ٢٧ - لا تقْتُل، لا تزْنِ). وهكذا يُمكنُنا أن نفهَم أنّ الناموسَ بكليّته غير مَلغيّ. نحن نحاول فهمَ أيّة أقسام تخُصّنا وأُخرى لا تخصّنا، ونقطة الانطلاق ما علّمه بولس الرسول: الناموس ليس لنا. إذا قيل لنا شيءٌ ما لامتثاله فعلى الشخص القائل بذلك أن يكون قادرًا على تبرير مطالبته ودعواه. لا يجوز لأحدٍ أن يختار جزءً من الناموس كما يطيب له، مثلًا، الأمر بعدم تناول المحارات/بلح البحر، ويقول إنّه يلتزم بالجميع. على الإنسان أن يكون قادرًا على تبرير سبب التزامنا به، وأكثر من ذلك حتّى بالنسبة لقلوب المستمعين التي بحاجة لمصادقة الروح القدس بأنّ التعليمَ صحيح؛ وإلّا فما المعلّم إلّا ”روح متوحّشة“ ومستعبِد للضمائر.

نستطيع أن نقول التالي:

١) وَفْقًا لما ورد في رسالة بولسَ الرسول إلى العبرانيين، فإنّ يسوعَ المسيح وتضحيتَه، جعلا جميعَ الأضاحي زائدة لا حاجةَ لها، وكانت بمثابة ظلّ فقط للخير الآتي. بهذا النحو غدت كلّ شرائع الأضاحي ملغيّةً بالنسبة للمسيحيّين كافّة. لهذا السبب لم أُحاولِ الذهاب إلى الهيكل/المعبد لتقريب ذبيحة، زوْج حَمام أو فرخَي حَمام، بعد وِلادة ابني (البشير لوقا ٢: ٢٤).

٢) بحَسب يسوعَ المسيح (البشير مَرْقُسَ ٧: ١٥)، كلُّ طعام طاهر غير نجِس، والرسول بولُس يحترم ذلك (رومية ١٤: ١٤). لهذا السبب يُمكنُنا تناولُ لحم الخِنزير والحوارات، على الرغم من أنّ ناموس موسى يحرّمُهما، كما ورد في سفر اللاويين ١١: ٧-١٢. يُحسِنُ المسيحيّون صُنعًا، إذا تحلّوا بالمرونة حيالَ ما يتناولونه من طعام، لتجنّب إيذاء ضمير الآخر، ولكن الطعام بحدّ ذاته لا يجعَل المسيحيَّ غير طاهر، كلّ ما في الأمر قد يكون أنّّه من الأفضل عدم تناوله.

٣) بحَسب ناموس موسى يُؤدّي الجِماعُ (سِفْر اللاويين ١٥: ١٦-١٨) دينيًا إلى النجاسة، وكذلك الطمث/الحيض ولمس الميّت. كلّ هذه الأمور، لا علاقةَ لها بالخطيئة البتّة - على العكس تمامًا، فمنَ الخطأ عدمُ دفْن والدي. ولكن بموجب ناموس موسى على الشخص الاغتسال وتجنّب الاختلاط بالآخرين حتّى المساء التالي، لأنهم نجِسون - وهذا لا ينطبق على المسيحيّين الأُمميّين.

٤) ناموس موسى كان ناموسَ المجتمع الإسرائيلي أيضا. بالنسبة لنا ليس الأمر هكذا؛ إذا قاتلنا فسنُعاقب وَفقًا لقوانيننا الوطنية.

أجزاء هذا الناموس المنفصلةُ قد أُلْغِيت بوضوح. ومع ذلك نستطيع أنْ نُعِدّ قائمةً بأجزاء أُخرى من الناموس تنطبق على المسيحيّين الأُمميّين.

أ) إنّ القانون الأخلاقيَّ بجوهره، الوصايا العشر، ينطبق علينا نحن المسيحيّين. إنّي، مثلًا، لا أقتُل أحدًا، لا أنكُث الرِّباط المقدّس ولا أتعامل مع القيل والقال. ويُذكَر أن المسيحيّين الأوائلَ التزموا بالقانون الأخلاقي، وهذا يتجلّى في قوائم الفضائل والرذائل في العهد الجديد، أنظُر على سبيل المثال في: ١ كونِنْثوس ٦: ٩-١١؛ غلاطيّة ٥: ١٦-٢٦.

ب) ”الناموس“ بمعنى ”إرادة الله المطالِبة“ له استخدامُه الروحي، ويُشير إلى ذلك الرسول بولُس في رسالته إلى رومية ٣: ١٩-٢٠:  وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا يَقُولُهُ ٱلنَّامُوسُ فَهُوَ يُكَلِّمُ بِهِ ٱلَّذِينَ فِي ٱلنَّامُوسِ، لِكَيْ يَسْتَدَّ كُلُّ فَمٍ، وَيَصِيرَ كُلُّ ٱلْعَالَمِ تَحْتَ قِصَاصٍ مِنَ ٱللهِ.٢٠ لِأَنَّهُ بِأَعْمَالِ ٱلنَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لَا يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ. لِأَنَّ بِٱلنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ ٱلْخَطِيَّةِ.

وعندما يتعلّق الأمر بأسئلة أُخْرى حولَ الناموس، ينبغي لكلّ مسيحيّ أن يُصْغي لصوت ضميره: يعتقد البعض أنّ الإصحاحَ الخامسَ عشرَ من أعمال الرُّسُل يحظُر استخدامَ الدم كتغذية، ولا بأسَ في التفكير بهذه الطريقة. هنالك طوائفُ كثيرةٌ تطلُب من رعاياها الأعضاء دفع العُشر من الدخل، إلّا أنّ العهدَ الجديد لا يذكُر هذا الطلبَ أبدًا، ولكنّنا يجِب أن نحذَر من الجشَع، وحبّذا الإعطاء بوفرة من محْض إرادتنا الحرّة. على كلّ حال، لا أحدَ مُرغَمٌ على دفْع العشور.

يُحرِّم العهد القديمُ، كما وردَ في سِفْر اللاويين ١٩: ٢٨، الوشمَ، في حين أنّ العهد الجديدَ لا يفعلُ ذلك، ولكن فيه تحذير للناس في عدّة مناسبات من عدم إيلاء اهتمام كبير لمظاهرهم. نادرًا ما يُطلب من الرِّجال قصّ شعر الرأس، كما جاء في شريعة موسى في سفر اللاويين ١٩: ٢٧، بالرغم من أنّ هذا الطلبَ لا يندرج في الفئات المرفوضة المذكورة أعلاه.

دعونا بصدد هذه الأسئلة الخاصّة، أن نترُك الأمرَ لضمير المسيحيّ، الذي يعمل بصورة جيّدة، ليقولَ لنا ما الصواب وما الخطأ.

مارتِن لوثَر والنَّاموس

رفض المُصْلِح الألماني مارتن لوثر (١٤٨٣-١٥٤٦) بشدّة محاولاتٍ لوقف تعليم الناموس في الكنيسة، وهنا من الأهمية بمكان، أن نعي أنّ ”الناموس“ عند لوثر يَعني في الغالب ”إرادة الله المطالِبة“، وليس ناموس النبيّ موسى بما فيه من أحكام الطهارة.

إنّ الجدالَ الذي يصفُه الرسول بولسُ في رسالته إلى أهْل غلاطيّة - هل يجِبُ على المسيحيّ الحقيقيّ العملُ بشريعة موسى لكي يتبرّر أم لا؟ قد حصل قبلَ ألفٍ وخمسمائة سنة تقريبا، ونتيجته كانت مفهومةً جيّدًا في زمن لوثر. عوضًا عن ذلك، برزت المشكلة في أنّ بعض المعلّمين حاولوا إسكاتَ التعليم عن ”إرادة الله المطالِبة“: وفي نظر لوثر كانت تلك وسيلة لفُقدان الإنجيل أيضا.

حدّد لاهوتيون لوثريون لاحقًا ثلاثةَ استعمالات أو أغراض للناموس؛ أُعطي الناموس للناس لأسباب ثلاثة:

أ) من أجل المحافظة على الناس الخارجين عن السيطرة والعصاة في انضباط شكلي،
ب) لتعلّم الناس الاعتراف بخطاياهم،
ت) بالنسبة للمسيحيّين فهي مبادىء توجيهية ثابتة، وعلى هدْيها عليهم تنظيم كلِّ حياتهم وتوجيهها - لأنّهم لم يتخلّصوا بعد من ”الجسد“ أيضا.

يجِبُ على المسيحيّ أن يُصغي إلى مشيئة الله الطيّبة، ولكنّنا لسنا مُلزَمين بأنظمة وأحكام ناموس/شريعة موسى.