الكتاب المقدس

الكتاب المقدّس هو كتاب المسيحية الأساسيُّ. وَفْقًا لعقيدتنا، فإنّ اللهَ يتكلّم إلينا من خلال الكتاب المقدّس، يُخبرنا مَن نحن، ما مكانُنا في عالَم الله وما يتوقّعه اللهُ منّا. العهد القديم والعهد الجديد، جزءا الكتاب المقدّس، مرتبطان ارتباطًا وثيقًا ببعضهما البعض، وقد أعطانا إياهما اللهُ من خلال أناس. الكتاب المقدّس وَحْدة كاملة، يبدأ بخلق الإنسان، ثم سقوطه، ثم كيف مهّد الله الطريقَ للرجوع إليه بإعطاء ابنه لنا. الكتاب المقدّس يبدأ بالخلق وينتهي به - ستكون الدينونة الأخيرة، وعالمنا هذا الذي نعرِفه سيتلاشى، سيخلُق الله عالَمًا جديدًا، حيث سيأخذ إليه جميعَ المؤمنين بيسوعَ المسيح.

الكتاب المقدّس برُمَّته دوّنه بشر، ولكن في الوقت نفسه، نحن نعتقد أنّه كلمةُ الله. لقد أعطانا الله كلمتَه بشكل هشّ من نواحٍ كثيرة - وكان بوسعه كتابةَ رسالته بكلمات من نار، أو إرسال ملائكته إلى هنا لتبليغ الرسالة. وكان مجيئه إلينا بشكل هشّ أيضًا، عندما وُضع ذلك الطفل الصغير في المذود في بيتَ لحم. يبدو أنّ هذه هي الطريقة التي يعمل فيها الله، إنّها ليست جيّدة بشكل كاف بالنسبة للحكيم والغني، إّلا أنّها كنزٌ للضعيف والفقير.

”كلامك سِراجٌ لخُطواتي، ونورٌ يا ربُّ لطريقي“ (سفر المزامير ١١٩: ١٠٥)

صلاة: أشكرُك يا الله لأنّّك قد تكلّّمتَ معي، دَعني أُصغي وأعي.

تُخبرنا الكلمات الرائعة الأولى في إنجيل يوحنّا البشير عن لُبّ رسالة الكتاب المقدّس: الله خلق هذا العالَم من خلال يسوعَ المسيح. انتقل ذلك العالَم من الظلمات، حيث لا أحدَ يستطيع أن يجدَ الله بقواه الخاصّة بعد ذلك. إنّك لا تستطيع رسمَه، لا تستطيع سماعَ صوته، لا تستطيع طلبَ النصيحة منه. هذا الوضع قد تبدّل عندما وُلد يسوع المسيح في هذا العالَم: ”النور يُشرق في الظلمة“.

يسوع المسيح، وَفقا لإيمان كنيستنا، هو نور العالَم والطريق الوحيد إلى الله. وهذا النور يُشرق علينا من الكتاب المقدّس، من كلمة الله. الله لا يتكلّم إلينا مباشرَةً، بل روحه القُدّوس يتحدّث إلينا، بكلمته الحيّة والجبّارة. ما زلنا غيرَ قادرين على رسمه، غير قادرين على سماع صوته، أو التماس نصيحة منه. في المقابل، عندنا نور كلمة الله، وهذا النور يُرشدُنا إلى البيت، إلى الإشراق والسطوع.

”والكلمةُ صار بشرًا وعاش بينَنا، فرأيْنا مجدَه مجدًا يفيض بالنعمة والحقّ، ناله من الآب، كابنٍ له أوحدَ“ (إنجيل يوحنا ١: ١٤).

صلاة: أيّها الربّ العزيز، أَشرِقْ بنورك عليَّ وعلى خُطواتي. ساعِدْني لأعرِفَ ابنَك، يسوع المسيح.

هناك بعض الأسفار المقدّسة في العالَم، والكتاب المقدّس واحد منها. لماذا الكتاب المقدّس وليس كتاب آخر، مثلًا كتاب أقدمَ من الكتاب المقدّس بكثير؟

هنا نتّجه نحوَ موضوع يتهرّب من استنباط ومناقشة يقبلَهُما العقل. لا يستطيع المسيحيّون استخدامَ العقل ليُبرهنوا للمتشكّكين بأنّ الكتاب المقدّسَ وحدَه هو كلمة الله، وليس سائر الكتب التي تدّعي ذلك. إنّنا لم نقُم بمقارنة جميع مجموعات الكتب القديمة، وبعد تدقيق النظر والتحليل اخترنا واحدًا منها، كما يحدث عند شراء هاتف جديد. معلِّمون لوثريّون قُدامى، كانوا قد عبّروا عن ذلك بحدّة ووُضوح. من سِمات الكتاب، المقدّس أنّه يُقنع القارىءَ بأنّه كلمةُ الله. وهكذا سلطة الكتاب المقدّس لا تستند إلى قرارات الكنيسة وإلى مناقشات عقلانية أو ما توصّلت إليه أحدث الأبحاث. إنّها تستند إلى عظمة وقوّة الله لا غير.

ولهذا بالضبط، يستطيع قارىء/قارئة الكتاب المقدّس، أن يكون/تكون على قناعة بأنّ اللهَ يتكلم إليه /إليها. قارىء آخرُ قد لا يُتاح له مشاركة هذه التجربة. هذا يدلّ، بحسب اعتقادنا، بأنّ نورَ الله لا يصل قلبَ كلّ واحد.

”فأين الحكيمُ؟ وأين العلّامة؟ وأين المُجادِل في هذا الزمان؟ أما جعل اللهُ حكمَةَ العالَم حماقةً؟ فلمّا كانت حكمةُ الله أن لا يعرِفَه العالَم بالحكمة، شاء الله أن يُخلِّصَ المؤمنين به ”بحماقة“ البِشارة“. (كورنثوس الأولى ١: ٢٠-٢١).

صلاة: أيّها الربّ، أنت أعطيْتني العقل والحواسَّ؛ دعْني أستعملُُهما بحِكمة لصالحي ولصالح الآخرين.

نعم، ولكن من الخطأ الفادح قياسُ ذلك بمؤشِّرات ومقاييس بشرية. على مدى عدّة قرون اختلف المسيحيّون حول مواضيعَ أُخرى، إلا أنّهم، على الأقلّ، اتّفقوا على أنّ الكتاب المقدّس هو كلمة الله والحقيقة. والخلافات اقتصرت على كيفية شرحه. قبل قرن ونصف تقريبًا، أخذت الأبحاث التاريخية والعلمية تُشكِّك في حقائق الكتاب المقدّس، وردّ المسيحيّون على ذلك بطُرق مختلفة. حاول البعضُ أن يُثبتَ بأنّ الكتاب المقدّس هو كلمة الله برفض المعلومات الجديدة، مقارنة بالكتاب المقدس. وما زال الكثير من المسيحيّين يقومون بذلك. هذا النمط من التفكير وبشكل خفيّ يقودنا إلى تبنّي طريقة التفكير التالية: لكي تكون كلمة الله حقيقية على الكتاب المقدّس أن يكون وَفقًا لعقلنا وعلومنا أو الأكاديميا. محاولة تطبيق هذا المبدأ، يستنزف كلّ طاقتنا ولدينا تجربة كبيرة في هذا المضمار.

إنّ حقيقة الكتاب المقدّس وتقواه لا تستندان إلى التفكير البشري أو الأكاديميا. حقيقة الكتاب المقدّس تستند إلى الحقيقة القائلة، بأنّ اللهَ قد أعلن لنا عن نفسه وعن مشيئته بهذا الشكل المدوَّن. إنّها مسألة إيمان، وهو بحدّ ذاته عطيّة من الله. لسببٍ ما، المارّة بساحة السوق في تسالونيكي أدركوا أنّ دعوةَ الله تتجلّى من خلال كلام الناس. بولس يفهم هذا كعملِ الله.

”ثمّ إنّنا نحمَدُ اللهَ بغير انقطاع لأنّكم، لمّا تلقّيتم من كلام الله ما سمِعتُموهُ منّا، قبِلْتُموه لا على أنّه كلامُ بشَر، بل على أنّّه بالحقيقة كلامُ الله يعملُ فيكم أنتُمُ المؤْمنين“ (تسالونيكي الأولى ٢: ١٣).

صلاة: يا ربُّ، أنتَ لستَ أبكمَ، وكلماتُك ليست جوفاءَ، لا تكُنْ صامتًا معي، ودَعْني أسمع صوتَك!

أفضل طريقة للبَدْء في قراءة الكتاب المقدّس، هي قراءة أحد الأناجيل الأربعة من البداية وحتّى النهاية. قد يكون الاختيار صعبًا، إذ أنّ كلَّ واحد من الأناجيل ذو خصائصَ رائعة خاصّة به. هل ستختار الجمال غير المزخرف في إنجيل مرقس بسطوره الصعبة، غير السلسة، التي تجعله جذّابًا. أم أنّك ستتوجّه إلى إنجيل يوحنا، لكي تدخُلَ ذلك العالم الدافىء الذي يرسُمه بألوان رائعة. أيًّا كان اختيارك، ابدأ بالأناجيل، إقرأها كلَّها، ثمّ بالتسلسل سائر أجزاء العهد الجديد. في كلّ يوم وبحسب طاقتك، اقرأ كتابًا واحدًا من أولّه إلى آخرِه.

عندما تكون قد قرأتَ العهد الجديدَ مرّتيْن، على سبيل المِثال، تستطيع الانتقالَ إلى أسفار العهد القديم. سِفرا العهد القديم الأوّلان، سفر التكوين وسِفر الخُروج، سهلا المنال؛ وبعدَهما سوف تتساءل حول القوانين التي لم تُسنّ وتعط لنا، نحن غير اليهود. أمّا بخصوص أسفار الأنبياء فالقضية الحاسمة هي دراسة الزمن الذي كُتبت فيه وخلفياته. وهنا قد تحتاج لمساعدة ما. الجُهد والمشقّة سيُثمران، العهد القديم أيضًا مليء بالكنوز التي ينبغي اكتشافُها.

”كلامُ اللهِ نقيٌّ كلُّه، واللهُ دِرْعٌ للمُحتَمين به“ (الأمثال ٣٠: ٥)

صلاة: يا ربّ، كيف أستطيعُ أن أفهم وأعيَ بدون شارح أو مفسِّر؟ من فضلِك، ساعِدْني لأخطوَ الخُطوة الأولى!

هنالك عدّة أساليبَ وطُرق لتفسير الكتاب المقدّس، ولكن كلّ الشروح والتفاسير لا تجلبُ أيّ رصيد أو مفخرة لأصحابها. من الأسهل الوصول إلى نتيجة أفضلَ، عن طريق أخذ مبدأيْن أساسيّين بعين الاعتبار.

كتابة الكتاب المقدّس قد استغرقت قرونًا من الزمن. ومن الحكمة عند تفسير هذا الكتاب أن نسألَ أنفسَنا كيف فهِمه القرّاء الأوّلون أو الذين سمِعوه. حقًّا ما هي أفكار أولائك الذين استمعوا لكلمات إرميا النبيّ، أحد العديد من الأنبياء الذين تنبّأوا بخراب أورشليم بعد أن تخلّت عن مشيئة الله؟ ثمّ بماذا فكّر الناسُ بعد ذلك الخراب حينما سمِعوا الوعود الرائعة المذكورة في الإصحاح الأربعين؟ كيف فسّر السامعون الأوائل لرؤيا القدّيس يوحنّا النبوءاتِ القاسية؟ الإجابة عن هذه الأسئلة تتطلّب إرادةً للتعلّم، مطالعة واسعة وطلب المشورة والنصيحة؛ والأمر يستحقّ كلَّ هذا الجُهد.

الفهم التاريخي يُقيم جسورًا كثيرة لحياتنا اليومية. المسيحيُّ يقرأ الكتابَ المقدّس ككلّ حيث يكون يسوع المسيح في المركز، وهكذا رويدًا رويدًا ينمو الفهم ويكبُر. في مثل هذه العملية تبلورت مجموعة الكتب على مدى قُرون وأصبحت كما هي الآن - رسالة محبّة إليك، والمرسل اللهُ القادر على كلّ شيء.

”وهذا كلّه من الله الذي صالَحَنا بالمسيح وعَهِدَ إلينا خدمةَ المُصالحة. أي إنّ اللهَ صالَح العالَمَ مع نفسه في المسيح وما حاسبَهُم على زلّاتهم، وعَهِد إلينا أن نُعْلنَ هذه المصالحةَ. فنحن سُفراء المسيح، وكأنّ اللهَ نفسَه يَعِظُ بألْسنتنا، فنُناشدكُم باسم المسيح أن تتصالحوا معَ الله. لأنّ الذي ما عَرَف الخطيئةَ جعلَهُ اللهُ خطيئةً من أجْلنا لنصيرَ به أبْرارًا عند الله“ (كورنثوس الثانية ٥: ١٨-٢١).

صلاة: يا ربّ، أشكرُك على المعلِّمين الذين يعلِّمون مشيئتَك. دعْني أَجِدهم أنا أيضًا.