الإيمان والخلاص

ذات مرة، سأل رجلٌ غني يسوعَ المسيح، كيف يُمكنني بلوغُ الحياة الأبدية. وكان الرجل يعيش حياة صالحة. قال له يسوع: بِعْ كلَّ ما تملِكه ووزِّع ثمنَه على الفقراء، ثمَّ اتبعْ يسوعَ المسيح. اكتئب الرجل وتجهّم وجهُه، إذ ما طُلب منه كان أمرًا جسيما. ارتبك تلاميذ يسوع قائلين ”كيف يمكن للإنسان أن يخلُصَ“؟ أجاب يسوع المسيح: هذا غيرُ ممكن عند الناس، أمّا عند الله فكلُّ شيء ممكن.

هذا هو جواب المسيحيّة. إنّنا مُقيّدون بأنانيّتنا، نحن نُحِبُّ أنفُسَنا أكثرَ من أيّ شخص آخرَ. كما أنّ جهودَنا من أجل نيْل الخلاص هي الأنانية. أَلَديْنا أيُّ أمل؟ الجواب في المسيحية يختلفُ عن الإجابات في كلّ الأديان الأخرى. إنّ البؤرةَ والتركيز ليس على الإنسان، وما عليه أن يفعل. إنّ وِجهة النظر تتحوّل إلى يسوعَ المسيح. إنّه عمِل ما لا أحدَ منّا يستطيع فعلَه. لقد أخذ قضيّتَنا البائسة الخاسرة ووضعها بين يدي الله، وغفر لنا خطايانا وشرورَنا، عندما ضحّى بنفسه ومات على الصليب.

في قلب الله مغفرةٌ كاملة شاملة، وقد أُعلِن عن ذلك في الأناجيل الأربعة. نحن ننالُها من خلال الإيمان، ومن خلال الإيمان بالمسيح سنخلُص ونفوز بالجنّة. أعرف أنّني أنتمي إلى الله، منذ أن نلتُ المعمودية باسم الآب والابن والروح القدس. لن أحاول إجابةَ الله بخصوص حياتي الخاصّة. إنّي أُدرك أن يسوعً المسيحَ قد قام بذلك عنّي. يُمكنك أن تكون واثقًا بأنّك ستدخل النعيم، وذلك لثقتك بيسوعَ وبعمله.

”فبنِعمة الله نلْتُم الخلاصَ بالإيمان، فما هذا منكم، بل هو هِبةٌ من الله. ولا فضلَ فيه للأعمال حتّى يحقّ لأحدٍ أن يُفاخرَ“. (أفسس٢: ٨-٩)

الصلاة: يا يسوع، ساعِدني لأومِنَ بك.

الإيمان الذي يُؤدّي إلى الخلاص، ليس سِمة عاديةً في طبيعة الإنسان، بل عطيّة يمنحها الله، من خارج الإنسان. لا يستطيع الإنسان أن يُحقِّقَ الإيمانَ بنفسه عندما يقرّرُ، بل إنّ الأمر متعلّقٌ بالكامل بقوّة عمل الله.

الله يُنتج الإيمان ويحقّقُه بواسطة النعمة. الوسيلة الأساسية للحصول على النعمة هي كلمة الله. في المعمودية تكون الكلمة التي تحقّقُ الإيمان ممزوجةً بالماء. وفي القربان المقدّس تكون ممزوجةً بالخبز والخمر. وفي اعتراف الخطايا يتِمُّ دمجُها في مسيرة الغفران الخاصّة.

الروح القدس يتحدّثُ إلى الإنسان من خلال كلمة الله، ومن خلالها يأتي الروح القدس إلى قلب الإنسان، ويخلُق الإيمان. إيقاظ الإيمان وتعزيزُه هما أهمّ مهام الروح القدس.

إذا كنت تتساءل عمّا إذا كان لديك إيمان، أو ما يكفي منه، يمكنك أن تطلبَ من الله لتقوية إيمانك. هذا نداء إلى الله والتماس منه، وهو يُلبّي ذلك دائما. يُمكنك أن تثق بالله بأنّه سيمنحك الإيمان بالرغم من مشاعرك أو تجاربك وخبراتك.

في جماعة المصلّين تمجِّدُ الروح القدسُ يسوعَ المسيح لكونه المخلصَ، وتؤكّدُ أنّ النعمة كافيةٌ بالنسبة لك أيضًا. الإيمان لا يتأتّى عبر جهدنا ومحاولاتنا، بل بواسطة عملِ الله في الإنسان.

”فالإيمان إذًا من السَّماع، والسماع هو من التبشير بالمسيح“ (رومة ١٠: ١٧)

الشخصُ المؤمنُ يكون عضوًا في جماعة المصلّين. يُقيم المسيحيّون علاقاتٍ مع بعضهم البعض في حياتهم، إنّهم يُصغون إلى كلمة الربّ، يُصلّون، ويشتركون في القربان المقدّس، ويوحّدهم هدفٌ مشترك. كلّ هذا يقوّي إيمانَنا ويحميه، وهكذا الروح القدس يهُبّ لمساعدتنا.

إنّ وصايا اللهِ تنطبق على جميع البشر. وعلينا كمسيحيّين عدم تجاهل القوانين ومشيئة أبينا السماوي.

لكلّ شخص دعوته ورسالتُه الخاصّة، واللهُ يريدُنا أن نكونَ أوفياءَ في خدمة الناس الذين من حولنا. مع ذلك، حينما نواجهُ متطلّباتِ الحياة الكثيرةَ، سُرعان ما نُدركُ حدودَنا، وأنّ قوّتَنا غيرُ كافية. عندها نشعر بأنّنا غيرُ مؤهّلين، وهكذا نغْوى ونُمعنُ في الضلال، فنخطىءُ ونكسر وصايا الله. إنّ طبيعتَنا البشرية، الجسد، يُغرينا دامًا لارتكاب الخطيئة والقيام بكلّ شيء مناهض لمشيئة لله، بغضّ النظر سَواء كنّا مسيحيّين أم لا. لذلك، نحن بحاجة لمغفرة الله المستمرّة، وللصلاة والقوّة التي تنبُع من كلمة الله.

الحياة وَفْقَ الإيمان، على كل حال، لا تعني إنكارَ الأشياء والسعي نحو الأفضل. أن أكون مسيحيًّا يعني أن أعيش مثل أبناء الله، بحرية وبأمان بفضل نعمته. نحن بيسوعَ المسيح، قد مُنحنا الإيمان والأمل والمحبّة. ولذلك، يرغَب المسيحيّ في الاقتراب من يسوعَ المسيح.

”أنا أُحِبُّكُم مثلما أَحَبّني الآبُ، فاثْبُتوا في محبّتي“ (إنجيل يوحنّا ١٥: ٩)

صلاة: عزيزي الربّ، قرِّبْني من يسوع، من طريقك، لا تدعْني أفقِدُ طريقي فأتوه.

ضمان الخلاص، لا يُمكن أن يقومَ على أيّة مشاعرَ أو أعمال للإنسان، لأنّها ناقصةٌ دائمًا ومعرَّضة للتغيير والتبديل. الأمان يُمكن أن يرتكزَ على عمل الله ووعوده فحسب.

أوّلًا، يقول الكتاب المقدس إنّ الله أحبّ العالَم، وتصالح معه من خلال صلب المسيح، لذلك يسوع المسيح مات من أجلك أنت أيضا.

ثانيًا، إذا كنت قد عُمّدتَ، فإنّك تكون قد رُبطتَ بعمل المسيح للخلاص. وهكذا، تكون شخصيًّا قد نِلتَ حِصّة من الخلاص الذي يخُصُّ كلّ العالَم.

ثالثًا، يُعلِّمنا الكتاب المقدّس أنّ كلَّ من آمن واعتمد فهو مُخلَّص.

إنّ الجانب المهمَّ في الإيمان، ليس قوته بل هدفه وغايتُه: يسوع المسيح ووعود الله. في الحقيقة، يتمثّلُ الإيمان في توجّه الشخص الضعيف إلى يسوع المسيح ملتمسًا العون والمساعدة، وهو غافر الخطايا والآثام.

يعِد الكتاب المقدّس ”كلُّ مَن يدعو باسم الرب يخْلُصُ. (رومة ١٠: ١٣). إيمان كهذا هو هِبة من عند الله أيضًا، وليس من عمل الإنسان. لذلك، إذا كنتَ قدِ اعتمدت، وتوجّهت نحو يسوع طالبًا الصفح والمغفرة عن الخطايا، ومصليًا من أجل الخلاص، عندها تكون في طريقك إلى الجنّة.

من القربان المقدّس ومن الوعود المرتبطة به تستمدُّ القوة في إيمانك.

”ولكن مَن أكل جسدي وشرِب دمي فله الحياة الأبدية، وأنا أُقيمه في اليوم الأخر. من أكل جسدي وشرب دمي يثبُت هو فِيّ، وأثبُت أنا فيه“ (يوحنا ٦: ٥٤، ٥٦)

كلّ الديانات تُجيب عن السؤال: كيف يُمكن للإنسان أن يعيش حياة صالحة وقريبة من الله. الديانة المسيحية، على كلّ حال، تختلف عن ديانات أخرى: التركيز فيها ليس على الإنسان بل على ما فعل الله.

الديانات الأخرى تدعوك لطاعة الله، لعمل الخير أو القيام بكلّ ما في استطاعتك لنيل البركة والخلاص. الرسالة في المسيحية مختلفة: كلّ شيء قد عُمل وجُهِّز من أجلنا لقَبول البركة والخلاص. إنّنا لا نستطيع أن نخلّصَ أنفسَنا، ولكن يسوع المسيح كان قد دفع ثمن ما اقترفنا من خطايا وشرور. إنّنا ننال الخلاص بالنعمة وبالنعمة فقط، عندما نتسلّم عطيّة الخلاص من الله.

لا ينبغي لنا أن نُحاول كسبَ محبّة الله، إنّ اللهَ يُحبُّنا محبّةً كاملة شاملة. الجديرُ بالذكر أنّ نعمة الله هي جوهرُ المسيحية ولُبُّها. نحن ننال الخلاصَ بنعمة يسوع المسيح. كل الديانات الأخرى، التي تقوم على الناس، الذين يعملون جُهدَهم ليُصبحوا أفضلَ بمساعيهم هم، تؤدّي إلى الدمار واليأس والقُنوط.

”أجابه يسوعُ: أنا هو الطريقُ والحقُّ والحياةُ، لا يجيءُ أحدٌ إلى الله إلا بي“ (إنجيل يوحنّا ١٤: ٦)

صلاة: يا ربّ، أُريد أنْ أُومنَ بك إلّا أنّني ضعيف ومتردّد. ساعِدْني!

نعم، الملائكة موجودون. إنّ خليقة الله لا تقتصر بالتأكيد على هذا العالَم المرئيّ التجريبيّ (كما يفكر الإنسان في كبريائه). إنّننا لا نستطيع التحكّمَ بخليقة الله. عالَمُ الله أغزرُ من ذلك بكثير، إنّّه كثير الأشكال والألوان، فاتن ومُذْهِل أكثر بكثير ممّا نستطيع ملاحظتَه بمعارفنا وعلومنا. مع هذا، لا تحتلُّّ الملائكةُ مكانًًا مركزيًّا في المسيحية، بالرغم من أنّّنا نعيش في بعض الأحيان في نوع معيّن من طفرة أو موضة الملائكة. عند قراءتك الأناجيل يُمكنك أن تلاحظَ كيف أنّ للملائكة صلة بأهم نقاط التحوّل في حياة يسوعَ المسيح. ويُطلق أيضا على الملائكة اسم ”الأرواح الخادمة“. إنّهم يقومون بتنفيذ رسالة الله، التي أُنيطت بهم على هذه الأرض. الملائكة تعمل في المقام الأوّل بغية إنقاذ الأرواح.

”أمَا هم كلُّهم أرواحٌ في خدمة الله يُرسلُهم من أجل الذين يرِثون الخلاص“ (العبرانيين ١: ١٤)