شرحُ رسالةِ القِدّيس يوحنّا الرَّسول الأولى

بقلم: 
إركّي كوسكِنيمي، دكتور في اللاهوت
ترجمة وتدقيق: 
أ. د. حسيب شحادة

يُوحَنَّا ٱلْأُولَى


مقدّمة لرسالة يوحنّا الأولى

تظلُّ رسائلُ يوحنّا الثلاث، الواردة قُبيْلَ نهاية العهد الجديد، غيرَ مألوفة لكثير من الناس. ولكن بالنسبة لأولئك الذين اِطّلعوا عليها جيّدًا، فإنّها تحتلّ عندهم مكانةً مرموقة ؛ وهذه الرسائلُ تستحقُّ، بدون أدنى شكّ، الدراسة.

أوّلًا، إنّ إطلالةً خاطفةً على رسالة يوحنّا، تُبيّن لنا أشياءَ كثيرة. أولاً، إنّها ليست رسالةً بالمعنى الدّقيق للكلمة. إنّها لا تحْتوي في مستهلّها على أيّ ذِكْر، لا لاسم المرسِل ولا لاسم المرسَل إليه. وبالتالي، فإنّ الرسالةَ لم تكنْ موجّهةً إلى كنيسة محليّة واحدةٍ بعينها. لذلك، فإنّ هذه الرسالةَ وغيرَها منَ الرسائل المماثلة، موجّهةٌ إلى كنيسة المسيح برمّتها.

ثانيًا، يلاحظُ القارئ حتّى منَ الوهلة الأولى، المواضيعَ والكلماتِ ذاتَها المألوفة في إنجيل يوحنّا، وربّما كان ذلك متجلّيًا بشكل بارز في الحديث عن النور والظلام. ويتعرّف القارئُ على العالَم الذي يقودُنا إليه إنجيل يوحنّا: إنّه عالَم محبٌّ ومُشرِقٌ ومهتمّ.

ثالثًا، يُمكنُنا أن نلاحظ أنّ بُنيةَ الرسالة، لا تبدو متماسكة جدّا؛ إنّها تحتوي على تعاليمِ الإيمان المسيحيّ من عدّة وُجُهات نظر، دون أن تكون الأمورُ مرتبطةً ببعضها البعض ارتباطًا وثيقًا. ويُذكَر أنّ التحذيرَ منَ البِدَع موضوعٌ متكرر كثيرًا.

مَن هو كاتِب الرسالة؟

إنّ كاتبَ الرسالة لا يذكُر اسمه، ومعَ ذلك ، فإنّ "خطَّه" اللاهوتيَّ وأُسلوبَه، يُمكّنانا من فهْم الكثير. نرى أنّ القَرابةَ بين إنجيل يوحنّا وهذه الرِّسالة واضحةٌ جدًا، لدرجة أنّهما ربّما يكونان قد كُتِبا بقلم المؤلِّف ذاتِه. لكن علينا أن نكون حَذِرين: تقترح تقاليدُ الكنيسة أنّ يوحنّا كان مُعلِّمًا ذا تأثير عظيم. لا بدّ أن نكون حذِرين، ونكتفي بالقوْل إِنّ هاتين المادّتيْن، منبثقتان من نفس الاتّجاه في الكنيسة الأولى.

منَ الصعوبة بمكان، إعطاءُ تاريخ دقيقٍ لكتابة الرسالة. نرى أنّها كانت معروفةً لپاپياس (St. Papias of Hierapolis, ؟80-150، تِلميذ القدّيس يوحنّا الحبيب، وصديق القدّيس بوليكاربوس، كان أُسقفًا في آسيا الصُّغرى؛ اِهتمّ بجمع التقليد الشفويّ حولَ حياة يسوعَ المسيح وأقواله، له كتاب مشهور باسم ”تفسير أقوال الربّ“) حوالي عام 140، ولكنّها بالطبع كانت قد كُتبت قبلَ ذلك التاريخ. على الأرجح، أو من المحتمَل القريب جدًّا، أنّنا لن نُخطىءَ كثيرًا إذا اِفترضنا أنّ الرسالةَ قد كُتِبت بين السنتيْن 90-100.

تَحذيراتُ مَحَبّّة

عندَ دراسة رسالة يوحنّا الأولى، غالبًا ما يُصادف القارئُ تحذيراتٍ، يوجّهها الكاتبُ إلى نفسه بسبب البِدَع والهرْطَقات. وهنا الموضعُ الذي تتجلّى فيه الصفةُ المميِّزة للرسالة. تشِعُّ الرسالة بشكْلٍ إيجابيّ بنفس المحبّة كما في إنجيل يوحنّا. يُحسِنُ المرءُ صُنعًا إذا قرأ هذه الرسالةَ؛ يبدو الأمرُ، كما لو أنّنا قد مُنحنا ٱختبارٌ عميقٌ لرعاية الله المحبَّة. ومع ذلك، وفي الوقت ذاته، هنالك كلماتُ تحْذير صريحة وصارمة. في كثير من الأحيان، يصعُب علينا الجمعُ أو الدمْج بين الحبّ والحُدود. لكن رسالة يوحنّا الأولى تجمعُهما، وبالتّالي تُظهِر أن معنى الحبِّ ليس مجرَّدَ أمرٍ حسّاس وعاطفيّ، بل هو عناية ورِعاية أيضا. فعلى سبيل المِثال، إذا هاجمتِ الذئابُ القطيعَ، فلن ينظرَ الراعي إلى هذا وكأنّه حادث طَفيفٌ تافه، ويُدندِن أُغنيةً لبعض الحُملان الصغيرة، بجِوار توهّج نار المخيّم.